فصل: من لطائف القشيري في الآية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.فوائد لغوية وإعرابية:

قال السمين:
قوله: {الأيامى}:
هو جمعُ أيِّم بزنةِ فَيْعِل. يُقال منه: آمَ يَئِيْم كباع يبيع قال الشاعر:
كلُّ امرىءٍ سَتَئِيْمُ مِنْهُ ** العِرْسُ أو منها يَئِيْمُ

وقياسُ جمعِه أيائم كسَيِّد وسِيائِد. و{أيامى} فيه وجهان، أظهرُهما: من كلام سيبويه أنه جمعٌ على فعالى غيرَ مقلوبٍ وكذلك يتامى، وقيل: إن الأصل أيايِم ويتايِم في: أيِّم ويتيم فقُلبا. والأَيِّم: مَنْ لا زوجَ له ذكرًا كان أو أنثى. وخَصَّه أبو بكر الخَفَّافُ بمَنْ فَقَدَتْ زوجَها فإطلاقُه على البِكْر مجازٌ. و{منكم} حالٌ، وكذا {مِنْ عبادِكم}.
قوله: {والذين يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ}:
يجوز فيه الرفعُ على الابتداء. والخبرُ الجملةُ المقترنةُ بالفاء، لِما تضمَّنَه المبتدأ من معنى الشرط. ويجوز نصبه بفعلٍ مقدرٍ على الاشتغال. وهذا أرجحُ لمكان الأمر.
وقال الزمخشري: وقد آم وآمَتْ وتَأَيَّما: إذا لم يتزوَّجا، بِكْرين كانا أو ثِّيَبْن. قال:
فإن تنكِحي أنكِحْ وإن تتأيَّمي ** وإن كنتُ أفتى منكمُ أتَأَيَّمُ

وعن رسول الله صلَّى الله عليه وسلِّم: «اللهم إنَّا نعوذ بك من العَيْمة والغيمة والأيمة والكَزَم والقَرَم» قلت: أما العَيْمَة بالمهملة فشدةُ شهوةِ اللبن، وبالمعجمةِ شدةُ العطشِ. والأَيْمة: طول العُزْبَة، والكَزَم: شدةُ شهوةِ الأكل. والقَرَمُ: شدةُ شهوةِ اللحم.
قوله: {عَلَى البغاء} البغاء مصدرُ بَغَت المرأةُ تَبْغي بِغاءً، أي: زَنَتْ. وهو مختصٌّ بزِنى النساء. ولا مفهومَ لهذا الشرطِ؛ لأن الإِكراهَ لا يكونُ مع الإِرداة.
قوله: {فِإِنَّ الله} جملةٌ وقعَتْ جوابًا للشرط. والعائدُ على اسمِ الشرط محذوفٌ تقديرُه: غفور لهم. وقدَّره الزمخشري في أحدِ تقديراتِه، وابن عطية، وأبو البقاء: فإنَّ اللهَ غفورٌ لهنَّ أي: للمُكْرَهات، فَعَرِيَتْ جملةُ الجزاءِ عن رابطٍ يَرْبِطُها باسمِ الشرطِ. لا يُقال: إن الرابطَ هو الضميرُ المقدَّرُ الذي هو فاعلُ المصدرِ؛ إذ التقديرُ: مِنْ بعد إكراهِهم لهنَّ فَلْيُكْتَفَ بهذا الرابطِ المقدَّرِ؛ لأنهم لم يَعُدُّوا ذلك من الروابطِ، تقول: هندٌ عجبْتُ مِنْ ضَرْبِها زيدًا فهذا جائزٌ، ولو قلت: هندٌ عجبتُ مِنْ ضَرْبِ زيدٍ أي: من ضَرْبِها، لخلوِّها من الرابطِ وإنْ كان مقدَّرًا.
وقد ضَعَّفَ الإِمامُ الرازي تقديرَ بهم ورَجِّح تقديرَ بهنَّ فقال: فيه وجهان، أحدُهما: غفورٌ لهنَّ؛ لأن الإِكراهَ يُزيل الإِثمَ والعقوبةَ عن المُكْرَهِ فيما فَعَلَ. والثاني: فإنَّ اللهَ غفورٌ للمكرِه بشرطِ التوبةِ. وهذا ضعيفٌ لأنه على التفسيرِ الأولِ لا حاجةَ إلى هذا الإِضمارِ. وفيه نظرٌ لِما عَرَفْتَ من أنَّه لابد من ضميرٍ يعودُ على اسمِ الشرطِ عند الجمهورِ وقد تقدَّم تحقيقُه في البقرةِ. ولَمَّا قَدَّر الزمخشريُّ لهنَّ أورد سؤالًا فقال: فإن قلتَ: لا حاجةَ إلى تعليقِ المغفرةِ بِهنَّ، لأنَّ المُكْرَهَةَ على الزنى بخلاف المكرِه عليه في أنها غيرُ آثمةٍ. قلت: لعل الإِكراهَ غيرُ ما اعتبَرَتْه الشريعةُ من إكراهٍ بقَتْلٍ أو ممَّا يُخافُ منه التَّلَفُ أو فواتُ عضوٍ حتى تَسْلَمَ من الإِثمِ. وربما قَصَّرَتْ عن الحدِّ الذي تُعْذَرُ فيه فتكونُ آثمةً.
{وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ آيَاتٍ مُبَيِّنَاتٍ وَمَثَلًا مِنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ (34)}.
وتقدَّمَ الخلافُ في {مُبَيّنات} كسرًا وفتحًا.
قوله: {وَمَثَلًا} عطفٌ على {آيات} أي: وأَنْزَلْنا مثلًا مِنْ أمثال الذين قبلكم. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من لطائف القشيري في الآية:

قال عليه الرحمة:
{وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (32)}.
إذا كان القصدُ في المناكحة التأدب بآداب الشرع يكفي الله ببركاته مطالبات النفس والطبع، وإنما يجب أن يكون القصدُ إلى التعفُّفِ ثم رجاءِ نسْلٍ يقوم بحقِّ الله.
قوله: {إِن يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمْ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ} {يُغْنِيهمُ اللَّهُ} في الحال، أولًا بالنفس ثم غِنَى القلب؛ وغنيُّ القلبِ غَنِي عن الشيء، فالغَنِيَ عن الدنيا أتَمُّ من الغني بالدنيا. ويقال إن يكونوا فقراء في الحال يُغْنِهم الله في المستأنف والمآل.
قوله جل ذكره: {وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ}.
مَنْ تَقاصر وسعهُ عن الإنفاق على العيال فليصبر على مقاساة التحمل في الحال، فَعَنْ قريبٍ تجيبه نَفْسُه إلى سقوط الأرب، أو الحق- سبحانه- يجود عليه بتسهيل السبب من حيث لا يَحْتَسِب، ولا تخلو حالُ المتعفِّفِ عن هذه الوجوه.
قوله جل ذكره: {وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خْيرًَا وَءَاتُوهُم مِّن مَّالِ اللَّهِ الذي ءَاتاكُمْ} أي إن سَمَحَتْ نفوسكم بإزالة الرِّقِّ عن المماليك- الذين هم في الدين إخوانكم- من غير عِوَضِ تلاحظون منهم فلن تخسروا على الله في صفقتكم. وإن أبيتم إلا العوض ودعوا إلى الكتابة، وعلمتم بغالب ظنكم صحة الوفاء بمال الكتابة من قِِبَلِهم فكاتبوهم ثم تعاونوا على تحصيل المقصود بكل وجهٍ؛ من قدْرٍ يحط من مال الكتابة، وإعانةٍ لهم من فروض الزكاة، وإمهالٍ بِقَدر ما يحتمل المكاتب ليكون ترفيهًا له.
وإذا كنا في الشرع مأمورين بكل هذا الرِّفقِ حتي يصل المملوكُ المسكين إلى عتقه فبالحريِّ أن يسموا الرجاءُ إلى الله بجميل الظنّ أن يُعْتَقَ العبدُ من النار بكثرة تضرعه، وقديم سعيه- بقدر وسعه- من عناءِ قاساه، وفضلٍ من الله- عن قديمٍ- رجاه.
ثم في الخبر: «إن المكاتب عبدٌ ما بقي عليه درهم» والعبد يسعى بجهده ليصل إلى تحرر قلبه، وما دام تبقى عليه بقية من قيام الأخطار وبقية من الاختيار وإرادة شيءٍ من الأغيار فهو بكمال رِِقَّة وليس في الحقيقة بِحُرٍ فالمكاتَبُ عَبْدٌ ما بقي عليه درهم.
قوله جلّ ذكره: {وَلاَ تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى البِغَاءِ إِنْ أَرْدْنَ تَحَصُّنًَا لِّتَبْتَغُوا عَرَضَ الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَن يُكْرِههُّنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِن بَعْدِ إِكْرَهِهِنَّ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}.
حامِلُ العاصي على زَلَّتِه، والداعي له إلى عَثرَته، والمُعينُ له على مخالفته تتضاعف عليه العقوبة، وله من الوِزْرِ أَكثرُ مِنْ غيره، وبعكسه لو كان الأمر في الطاعة والإعانة على العبادة.
قوله جلّ ذكره: {وَلَقَدْ أَنزَلْنَآ إِلَيْكُمْ ءَايَآتٍ مُّبَيِّنَاتٍ وَمَثَلًا مِّنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُمْ وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ}.
لم يغادر على وجه الدليل غُبْرةً، ولم يترك الحقُّ- سبحانه- للإشكال محلًا؛ بل أَوْضَحَ المنهاج وأضاءَ السِّرَاجَ، وأنار السبيلَ وألاح الدليل، فَمَنْ أراد أن يستبصر فلا يلحقه نَصَبٌ، ولا يمسُّه تعبٌ. اهـ.

.كلام جامع للماوردي في إباحة النكاح نصا في الكتاب والسنة:

قال عليه الرحمة ما نصه:
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ.
مُخْتَصَرٌ فِي النِّكَاحِ الْجَامِعِ مِنْ كِتَابِ النِّكَاحِ أَبَاحَ اللَّهُ تَعَالَى النِّكَاحَ نَصًّا فِي كِتَابِهِ، وَصَرِيحًا فِي سُنَّةِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَانْعَقَدَ بِهَا سَالِفُ إِجْمَاعِ الْأُمَّةِ، وَتَأَكَّدَ بِهَا سَالِفُ الْعِتْرَةِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً} [النِّسَاءِ: 1] قَوْلُهُ: {مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ} يَعْنِي آدَمَ. وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا يَعْنِي حَوَّاءَ: لِأَنَّهَا خُلِقَتْ مِنْ حَيٍّ، وَقِيلَ: لِأَنَّهَا مِنْ ضِلْعٍ أَيْسَرَ. وَقَالَ الضَّحَّاكُ: خَلَقَهَا مِنْ ضِلْعِ الْخَلْفِ وَهُوَ مِنْ أَسْفَلِ الْأَضْلَاعِ، وَلِذَلِكَ قِيلَ لِلْمَرْأَةِ: ضِلْعٌ أَعْوَجُ، فَلَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: خُلِقَتِ الْمَرْأَةُ مِنَ الرَّجُلِ فَهَمُّهَا فِي الرَّجُلِ، وَخُلِقَ الرَّجُلُ مِنَ التُّرَابِ فَهَمُّهُ فِي التُّرَابِ، {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا} [الرُّومِ: 21] فِيهِ تَأْوِيلَان:
أحدهما: أَنَّهَا حَوَّاءُ خَلَقَهَا مِنْ ضِلْعِ آدَمَ.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ خَلَقَ سَائِرَ الْأَزْوَاجِ مِنْ أَمْثَالِهِمْ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ لِيَسْتَأْنِسُوا إِلَيْهَا: لِأَنَّهُ جَعَلَ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ مِنَ الْأَنَسَةِ مَا لَمْ يَجْعَلْ مِنْ غَيْرِهِمَا، {وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً} [الرُّومِ: 21] فِيهِمَا تَأْوِيلَان:
أحدهما: أَنَّهَا الْمَوَدَّةُ وَالْمَحَبَّةُ وَالرَّحْمَةُ وَالشَّفَقَةُ، قَالَهُ السُّدِّيُّ.
وَالثَّانِي: أَنَّ الْمَوَدَّةَ الْجِمَاعُ، وَالرَّحْمَةَ الْوَلَدُ، قَالَهُ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ. وَقَالَ تَعَالَى: {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا} [الْفُرْقَانِ: 154] يَعْنِي: الْمَاءَ النُّطْفَةَ، وَالْبَشَرَ الْإِنْسَانَ.
وَالنَّسَبُ: مَنْ تَنَاسَبَ بِوَالِدٍ وَوَلَدٍ، وَكُلُّ شَيْءٍ أَضَفْتَهُ إِلَى شَيْءٍ عَرَفْتَهُ بِهِ فَهُوَ مُنَاسَبُهُ، وَفِي الصِّهْرِ هَاهُنَا تَأْوِيلَان:
أحدهما: أَنَّهُ الرَّضَاعُ، قَالَهُ طَاوُسٌ.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ الْمَنَاكِحُ، وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ. وَأَصْلُ الصِّهْرِ الِاخْتِلَاطُ، فَسُمِّيَتِ الْمَنَاكِحُ صِهْرًا لِاخْتِلَاطِ النَّاسِ بِهَا، وَقَالَ تَعَالَى: {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ} [النُّورِ: 32] الْآيَةُ، وَالْأَيَامَى جَمْعُ أَيِّمٍ، وَهِيَ الَّتِي لَا زَوْجَ لَهَا، وَمِنْهُ مَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ نَهَى عَنِ الْأَيْمَةِ يَعْنِي الْعُزْبَةَ. وَفِي هَذَا الْخِطَابِ قَوْلَان:
أحدهما: أَنَّهُ خِطَابٌ لِلْأَوْلِيَاءِ أَنْ يُنْكِحُوا أَيَامَاهُنَّ مِنْ أَكْفَائِهِنَّ إِذَا دَعَوْنَ إِلَيْهِ.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ خِطَابٌ لِلْأَزْوَاجِ أَنْ يَتَزَوَّجُوا الْأَيَامَى عِنْدَ الْحَاجَةِ. وَفِي قَوْلِهِ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ تَأْوِيلَان:
أحدهما: أَنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ إِلَى النِّكَاحِ يُغْنِهِمُ اللَّهُ بِهِ عَنِ السِّفَاحِ.
وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ إِلَى الْمَالِ يُغْنِهِمُ اللَّهُ إِمَّا بِقَنَاعَةِ الصَّالِحِينَ، وَإِمَّا بِاجْتِمَاعِ الرِّزْقَيْنِ إِلَيْهِ. رَوَى عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ دَاوُدَ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: اطْلُبُوا الْغِنَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ: {إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} [النُّورِ: 32]. قَالَ تَعَالَى: {كَبِيرًا وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ} [النِّسَاءِ: 3] وَفِي هَذَا الشَّرْطِ أَرْبَعُ تَأْوِيلَاتٍ: أَحَدُهَا: يَعْنِي إِنْ خِفْتُمْ أَنْ لَا تَعْدِلُوا فِي نِكَاحِ الْيَتَامَى، وَلَا تَخَافُونَ أَنْ لَا تَعْدِلُوا فِي النِّسَاءِ، فَقَالَ: كَمَا خِفْتُمْ أَنْ لَا تَعْدِلُوا فِي أَمْوَالِ الْيَتَامَى، فَهَكَذَا خَافُوا أَنْ لَا تَعْدِلُوا فِي النِّسَاءِ، وَهَذَا قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ. الثَّانِي: يَعْنِي إِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فِي نِكَاحِ الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا حَلَّ لَكُمْ مِنْ غَيْرِهِنَّ مِنَ النِّسَاءِ. وَهُوَ قَوْلُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا.
وَالثَّالِثُ: أَنَّهُمْ كَانُوا يَتَوَقُّونَ أَمْوَالَ الْأَيْتَامِ وَلَا يَتَوَقُّونَ الزِّنَا، فَقَالَ: كَمَا خِفْتُمْ فِي أَمْوَالِ الْيَتَامَى فَخَافُوا الزِّنَا، وَانْكِحُوا مَا حَلَّ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ. فَهَذَا قَوْلُ مُجَاهِدٍ.
وَالرَّابِعُ: أَنَّ سَبَبَ نُزُولِهَا أَنَّ قُرَيْشًا كَانَتْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ تُكْثِرُ التَّزْوِيجَ بِغَيْرِ عَدَدٍ مَحْصُورٍ، فَإِذَا كَثُرَ عَلَى الْوَاحِدِ مِنْهُمْ مُؤَنُ زَوْجَاتِهِ، وَقَلَّ مَا بِيَدِهِ مَدَّ يَدَهُ إِلَى مَا عِنْدَهُ مِنَ الْأَمْوَالِ لِلْأَيْتَامِ، فَقَدَّرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهَذِهِ الْآيَةِ عَدَدَ الْمَنْكُوحَاتِ حَتَّى لَا يَتَجَاوَزَهُ فَيَحْتَاجُ إِلَى التَّعَدِّي فِي أَمْوَالِ الْأَيْتَامِ، وَهَذَا قَوْلُ عِكْرِمَةَ. وَفِي قَوْلِهِ: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} قَوْلَان:
أحدهما: أَنَّهُ عَائِدٌ إِلَى النِّكَاحِ، وَتَقْدِيرُهُ: فَانْكِحُوا النِّسَاءَ نِكَاحًا طَيِّبًا، يَعْنِي حَلَالًا. وَهَذَا قَوْلُ مُجَاهِدٍ.